كنت قد تحدثت قبل يومين عن ضرورة تنقية مصفاة الدماغ في مقالة سابقة بعنوان كيف تنظف فلتر دماغك. وتوقفت عن الكتابة قبل إكمال المقال بسبب (المحترم) شهريار الذي قطع علينا جلسة جميلة نتسامر فيها حول المصافي الخمسة. هل نسيتموها؟ حسنا، دعوني أذكركم بها:
1. مصفاة القراءة
2. مصفاة الكتابة
3. مصفاة التفكير
4. مصفاة البصر
5. مصفاة السمع
واليوم كما وعدتكم أيها الأحبة سوف أسهب في تفصيل طريقة تنظيف كل مصفاة.
أولا: مصفاة القراءة
يخطئ كثير منا حينما يقرأ كل ما تقع عليه عيناه. وأقصد هنا بالقراءة المتعمقة لكل شيء جيدا كان أو رديئا. وهي وإن كانت في حد ذاتها عادة حميدة إلا أن عالم اليوم يغص بالغث والسمين من المكتوبات. فالجرائد والبريد الإلكتروني وصفحات المنتديات مليئة بأطنان من الترهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
الحل؟
لا تقرأ كل شيء كما تقول تلك الإيميلات، بل يجب أن تقرأ ما يفيدك. هناك إيميلات تافهة عديمة القيمة تتحدث عن رجل قتل 20 امرأة وإيميل يسرد قصة شابة انتحرت لأنها اكتشفت أن جوالها فرغت بطاريته، وإيميل يقسم لك أنك سوف تموت حرقا لو تم تعيد نشر الحديث الضعيف إلى 21 أخرقا!
إذا انزلقت وراء تلك التفاهات فيؤسفني أن أقول لك أنك تملأ تجويف صندوقك بتلك القمامة. لو افترضت أن العقل هو صندوق وأنك تملأه كل يوم بتلك التفاهات، ففكر كم من الأشياء الجيدة تكون قد فقدتها!
امسح فورا أي رسالة بريدية تصلك ما لم تكن فعلا جيدة أو تهمك. مثلا...إذا كنت مهتما بالسياسة فقم بقراءة مقالات محترمة من مواقع موثوقة ولا تقترب من تلك المشبوهة. يمكنك أن تقرأ مقالات تصلك عبر البريد الإلكتروني بالطبع، لكن ما أقصده هو المقالات الجيدة النافعة.
وإذا كنت تحب المقالات العلمية فيمكنك قراءة مقالات علمية متخصصة من مواقع محترمة. لو قمت بقراءة كل إيميل يصلك يما يحتويه من تلك الترهات فلن تجد وقتا كافيا لتنمية ثقافتك العلمية وسوف يصبح صندوق دماغك ممتلئا وسوف تصاب بالتعب بعد وقت قصير بسبب حشوه بتلك الترهات.
إن التركيز على القراءة أمر هام جدا لأن التعلم عبارة عن عملية تراكمية تتحصل بطرق عدة، منها القراءة. فلو قرأت كل الإيميلات وكل أخبار الجريدة فلن تجد وقتا لتنمية الخبرة بل خبرتك ستكون (معلم قهوة) متخصص في صور الجزر ذي الأشكال المتنوعة وجرائم الأطفال وتحذيرات شرب الكولا والمياه والشاي وتناول الخضروات قبل غليها!
تعود على تنظيم قراءتك...ربما يكون ذلك في البداية صعبا لكنك سوف تتمكن من ذلك بالتمرين المرحلي، بعدها سوف تصبح جريئا في مسح الإيميلات التي لا تهمك
ثانيا: مصفاة الكتابة
إن مرحلة الكتابة عادة ما تلي مرحلة القراءة من حيث الترتيب الزمني في مهارات الإنسان. وحيث أن الكتابة أيضا هواية وعادة ووسيلة فإنها تنمو بالتمرين وتندثر بالتجاهل. ومصفاة الكتابة تختلف قليلا عن مصفاة القراءة من حيث أنها عادة انتقائية أكثر من القراءة.
هناك من يكتب رسائل إلى أصدقائه وزملائه في العمل أو الدراسة. وهناك من يرسل رسائل نصية عبر الجوال إلى أصدقائه ورسائل عبر البريد الإلكتروني. مشكلة الكتابة أنها لا تنقل مشاعر كثيرة فهي عبارة عن كلمات جافة على الورق أو شاشة الحاسوب. والكلمات كما يقول عالم النفس الفرنسي مهاربيان لا تنقل إلا 7% تقريبا من المشاعر على عكس الصوت أو الصورة. فكم من رسالة نصية سببت جرحا للآخرين بسبب أو بدون سبب. إن الرسائل النصية تثير الكثير من المشاكل وقد رأيت بنفسي نماذج كثيرة لشروخ في جدران صداقة أو علاقة زوجية بسبب رسالة متسرعة غاضبة أو حتى رسالة عادية لكن الطرف الآخر فهمها على عكس المراد فحصلت المشاكل.
والحل؟
حاول دائما أن تعيد قراءة النص قبل إرساله. انتق دائما كلماتك قبل إرسالها. ضع نفسك مكان قارئ الرسالة وستجد أنك ستغير كثيرا من الرسائل قبل إرسالها. الجميل في الكتابة هو أنك تتحكم فيها قبل إرسالها وليس مثل الكلام الذي ينطلق كالرصاص.
حتى في الكتابة العلمية والأدبية، فإن المراجعة عدة مرات هي الحل الامثل للخروج بكتابة جيدة. فعلى صعيدي الشخصي، إذا أردت أن أكتب في رسالة الدكتوراة التي تلتهم حياتي في هذه اللحظة، عادة ما أكتب عدة صفحات ثم أعود بعد يومين أو ثلاثة أيام لمراجعة ما كتبت فأكتشف كم كنت أحمقا حين كتبت تلك العبارة أو نسيت تلك. والسبب أن المخ أثناء الكتابة يفكر بعقلية الكاتب الذي يعجب بكتابته فلا يرى سوءتها، أما بعد ثلاثة أيام فتبرد تلك الحمية ويرى كتابته بعين القارئ الذي (يفلّي) النص (تفلية) فيكتشف الأخطاء المريعة.
ثالثا: مصفاة التفكير
وهذه ثالثة الأثافي*! ومصفاة التفكير لوحدها تحتاج كتابا للكتابة عنها وليس جزءا من مقال أو حتى مقالا. لكني سأجتهد في اختصارها بإذن الله. يقول خبراء البرمجة اللغوية العصبية أنه في دماغ الإنسان يوجد ثلاثة أنواع من المصافي تمر من خلالها كل الأفكار والمعلومات التي نتحصل عليها بحواسنا الستة*. وهذه المصافي هي التشويه، والإزالة، والتعميم. وهي تبدو للوهلة الأولى أنها مصافٍ سلبية، لذلك ينبغي الاعتناء بتنقية تلك المصافي من الرواسب الفكرية التي تعلق بها فتدمر تفكيرنا وتحيل حياتنا إلى جحيم. فمصفاة التشويه تعمل على تغيير الحقائق إلى أخرى نؤمن بها أو نراها من وجهة نظرنا، ومصفاة الإزالة تزيل أي معلومات ليست ضرورية، ومصفاة التعميم تعمم المواقف التي يقوم بها أفراد على مجتمع أو مجموعة ما.
ينبغي أن نحذر من الوقوع في (أوساخ) مصافي التفكير الثلاثة. لو اتسخت تلك المصافي فسوف ينقلب تفكيرنا إلى تفكير سلبي جدا بكل ما تعنيه الكلمة.
الحل؟
نحن البشر خلقنا الله سبحانه وتعالى شعوبا وقبائل مختلفة لكي نتعارف. فالاختلاف طبيعي في هذه الدنيا. نحن نختلف في طريقة رؤيتنا للشيء الواحد، لأن كلٌّ منا يمتلك مصفاة خاصة به. وسوف أورد مثالا بسيطا جدا عن كيفية اختلاف تلك الرؤى.
Guess
ماذا ترى في الصورة؟ لن أجيب، لكنكم سترون في التعليقات عجب العجاب. ولو أن الوقت يتسع لأدرجت الكثير من الأمثلة. فالواجب على الإنسان أن يعرف أن للحقيقة أكثر من وجه... وأن الاختلاف في الرأي أمر طبيعي... وأن اختلاف غيري معي في الرأي لا يعني أنه أحمق أو أنني شرير! هذه اختلافات طبيعية.
يجب أن نتعلم أن يعذر بعضنا بعضا، وأن لا نعمم السيئات ونخصص الحسنات، بل يجب علينا أن فعل عكس ذلك بتعميم الحسنات وتخصيص السيئات.
المعتقدات السابقة تبني لدينا أراءا جاهزة عن الآخرين أو الأشياء. علينا أن نراجع هذه المعتقدات. ليس كل ما تعملناه من بيئتنا صحيح 100%. كم جميل أن نطلب من أصدقائنا أن يُقَوِّموا لنا أفكارنا، وأن يُبدوا رأيهم في شخصيتنا لكي نعمل على تقويم أنفسنا. هناك الكثير الكثير من الأفكار السلبية التي تحول دون وصولنا إلى مرادنا في الحياة. وسوف أشرح لكم مثالا تعلمته من كتاب (أسرار عقلية المليونير) كما يلي:
حينما يولد الطفل ونغرس فيه أن المال سبب كل تعاسة، وأن الأغنياء كلهم تعساء، فسوف يكبر هذا الطفل وهو يكره المال. سوف يبذل كل جهده في محاولات كثيرة لكي يصبح غنيا أو على الأقل ليوفر لقمة عيشه. وعلى النقيض من ذلك، فسوف يبذل عقله الباطن جهدا كبيرا لكي يفشل تلك المحاولات! كيف ولماذا؟ أما عن "كيف" فيتم ذلك بأن يقم العقل الباطن بتوجيه تصرفات المرء نحو القرارات المالية الخاطئة؟ أما عن "لماذا" فإن العقل الباطن يفعل ذلك كي يَطْمئن ذلك العقل أنه وافق تلك الفكرة السلبية التي تقول أن المال سبب التعاسة، وهو بتوجيهه لصاحبه نحو القرار الخاطئ يساعده كي لا يصبح تعيسا!
أكتفي بهذا القدر من الحديث عن مصفاة الدماغ. ما زال لدينا مصفاتين قبل أن ينقض علينا الأخ شهريار المتحمس دوما لإنهاء أي جلسة أخوية كهذه.
رابعا: مصفاة البصر
كل يوم نرى مئات الصور في الحياة. نرى أشياءا خاطئة وتصرفات سلبية. لو أوجد الإنسان نفسه في بيئة سلبية فإن عينيه سوف تعتاد السلبيات وبهذا تستمرئ السلبيات. أما لو تطور الأمر ووجد المرء نفسه في بيئة منحلة، فإن العين تستمرئ الحرام.
الحل؟
وهذه لا تحتاج مجهودا كبيرا كغيرها من المصافي، لأن الله سبحانه وتعالى زودنا بمصفاة جاهزة تحتاج فقط إلى الهمة. إذا كنا نتحدث عن مشاهد محرمة بشتى أنواعها، فغض البصر يكفل لنا حل تلك المشكلة. من المثير أنه كلما أطلق المرء بصره، كملا زاد تعلقا بما نظر إليه ولا يطفئ النظر رغبته على الإطلاق. فقليل من الهمة وتذكر أن الله يراقبك يدفعك لإطباق جفنيك أو إبعاد بصرك.
لا تنظر إلى عورات الآخرين. لا تتتبع أخبارهم واحدة بواحدة، لا تنظر إلا إلى الصفات الطيبة في الناس. كن كالنحلة لا تقع إلا على الزهر. ولا تكن كالذبابة حشانا الله وإياكم لا تقع إلا على القاذورات. في كل منا الحسن والرديء، فركز بصرك على الصفات الحسنة في الآخرين واترك الرديئة. إنك بذلك تريح عقلك وتنقي أيضا تفكيرك وبذلك تساهم في تنظيف مصفاة التفكير من حيث لا تدري.
ملاحظة: نحن وللأسف أساتذة في رؤية الأخطاء وتكبيرها. فلو سألت فلانا عن عيوب فلان آخر فسوف يعدد لك المئات بكل يسر وسهولة، أما لو سألته عن محاسن فلان، فسوف يقف حائرا ثم يقول لك بعد مجهود من التفكير... إنه إنسان طيب! (فقط)!
الخامسة: مصفاة السمع
إن لنا أذنان كبيرتان تسمعان كل شيء. وهذه قد تكون قضية صعبة إلى حد ما. فمثلا لا يمكنك أن تمشي وأذناك مغلقتان، إلا لو ألصقت بهما شمعا!
لذلك فإن تنقية السمع تتطلب منك تجاهد نفسك فلا تسترق السمع لما لا يعنيك. لا تستمع إلى الأخبار الضارة التي لا تفيدك. ما الذي يجلبه عليك الاستماع إلى برامج تافهة تسألك (على سبيل المثال) عن فاكهة أول أربع أحرف من اسمها بطيخ ولونها أخضر! وتجد الكثير من المستمعين أو المشاهدين يتصلون في تلك البنت المبتذلة لحل تلك الفزورة المعضلة!. ستلاحظ أنه قد مرت ساعتين وأنت تستمع للحلول الإبداعية لتلك المعضلة!
لا تستمع للشائعات والأخبار السيئة. إن ذلك مثله مثل قراءة تلك الإيميلات التافهة. عوّد نفسك أن تستمع لما هو حسن عن الآخرين. وأعرض عن الاسترسال لسماع النميمة أو الغيبة إذا حضرت مجلسا. فنحن وللأسف نحتاج فقط إلى سماع كلمة واحدة لكي نصدق خبرا كاذبا حول سمعة فلان أو فلانة ونحتاج إلى أطنان الكلمات والأيمان المغلظة لكي ننسى ذلك الخبر ... بعد عدة سنوات ربما!
وأخيرا، أرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم. لمن يريد معرفة ما تعنيه مصطلح ثالثة الأثافي والحواس الستة فإن...!
شهريار جاء..لا وقت الآن للشرح...
وحتى نلتقي،،،
1. مصفاة القراءة
2. مصفاة الكتابة
3. مصفاة التفكير
4. مصفاة البصر
5. مصفاة السمع
واليوم كما وعدتكم أيها الأحبة سوف أسهب في تفصيل طريقة تنظيف كل مصفاة.
أولا: مصفاة القراءة
يخطئ كثير منا حينما يقرأ كل ما تقع عليه عيناه. وأقصد هنا بالقراءة المتعمقة لكل شيء جيدا كان أو رديئا. وهي وإن كانت في حد ذاتها عادة حميدة إلا أن عالم اليوم يغص بالغث والسمين من المكتوبات. فالجرائد والبريد الإلكتروني وصفحات المنتديات مليئة بأطنان من الترهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
الحل؟
لا تقرأ كل شيء كما تقول تلك الإيميلات، بل يجب أن تقرأ ما يفيدك. هناك إيميلات تافهة عديمة القيمة تتحدث عن رجل قتل 20 امرأة وإيميل يسرد قصة شابة انتحرت لأنها اكتشفت أن جوالها فرغت بطاريته، وإيميل يقسم لك أنك سوف تموت حرقا لو تم تعيد نشر الحديث الضعيف إلى 21 أخرقا!
إذا انزلقت وراء تلك التفاهات فيؤسفني أن أقول لك أنك تملأ تجويف صندوقك بتلك القمامة. لو افترضت أن العقل هو صندوق وأنك تملأه كل يوم بتلك التفاهات، ففكر كم من الأشياء الجيدة تكون قد فقدتها!
امسح فورا أي رسالة بريدية تصلك ما لم تكن فعلا جيدة أو تهمك. مثلا...إذا كنت مهتما بالسياسة فقم بقراءة مقالات محترمة من مواقع موثوقة ولا تقترب من تلك المشبوهة. يمكنك أن تقرأ مقالات تصلك عبر البريد الإلكتروني بالطبع، لكن ما أقصده هو المقالات الجيدة النافعة.
وإذا كنت تحب المقالات العلمية فيمكنك قراءة مقالات علمية متخصصة من مواقع محترمة. لو قمت بقراءة كل إيميل يصلك يما يحتويه من تلك الترهات فلن تجد وقتا كافيا لتنمية ثقافتك العلمية وسوف يصبح صندوق دماغك ممتلئا وسوف تصاب بالتعب بعد وقت قصير بسبب حشوه بتلك الترهات.
إن التركيز على القراءة أمر هام جدا لأن التعلم عبارة عن عملية تراكمية تتحصل بطرق عدة، منها القراءة. فلو قرأت كل الإيميلات وكل أخبار الجريدة فلن تجد وقتا لتنمية الخبرة بل خبرتك ستكون (معلم قهوة) متخصص في صور الجزر ذي الأشكال المتنوعة وجرائم الأطفال وتحذيرات شرب الكولا والمياه والشاي وتناول الخضروات قبل غليها!
تعود على تنظيم قراءتك...ربما يكون ذلك في البداية صعبا لكنك سوف تتمكن من ذلك بالتمرين المرحلي، بعدها سوف تصبح جريئا في مسح الإيميلات التي لا تهمك
ثانيا: مصفاة الكتابة
إن مرحلة الكتابة عادة ما تلي مرحلة القراءة من حيث الترتيب الزمني في مهارات الإنسان. وحيث أن الكتابة أيضا هواية وعادة ووسيلة فإنها تنمو بالتمرين وتندثر بالتجاهل. ومصفاة الكتابة تختلف قليلا عن مصفاة القراءة من حيث أنها عادة انتقائية أكثر من القراءة.
هناك من يكتب رسائل إلى أصدقائه وزملائه في العمل أو الدراسة. وهناك من يرسل رسائل نصية عبر الجوال إلى أصدقائه ورسائل عبر البريد الإلكتروني. مشكلة الكتابة أنها لا تنقل مشاعر كثيرة فهي عبارة عن كلمات جافة على الورق أو شاشة الحاسوب. والكلمات كما يقول عالم النفس الفرنسي مهاربيان لا تنقل إلا 7% تقريبا من المشاعر على عكس الصوت أو الصورة. فكم من رسالة نصية سببت جرحا للآخرين بسبب أو بدون سبب. إن الرسائل النصية تثير الكثير من المشاكل وقد رأيت بنفسي نماذج كثيرة لشروخ في جدران صداقة أو علاقة زوجية بسبب رسالة متسرعة غاضبة أو حتى رسالة عادية لكن الطرف الآخر فهمها على عكس المراد فحصلت المشاكل.
والحل؟
حاول دائما أن تعيد قراءة النص قبل إرساله. انتق دائما كلماتك قبل إرسالها. ضع نفسك مكان قارئ الرسالة وستجد أنك ستغير كثيرا من الرسائل قبل إرسالها. الجميل في الكتابة هو أنك تتحكم فيها قبل إرسالها وليس مثل الكلام الذي ينطلق كالرصاص.
حتى في الكتابة العلمية والأدبية، فإن المراجعة عدة مرات هي الحل الامثل للخروج بكتابة جيدة. فعلى صعيدي الشخصي، إذا أردت أن أكتب في رسالة الدكتوراة التي تلتهم حياتي في هذه اللحظة، عادة ما أكتب عدة صفحات ثم أعود بعد يومين أو ثلاثة أيام لمراجعة ما كتبت فأكتشف كم كنت أحمقا حين كتبت تلك العبارة أو نسيت تلك. والسبب أن المخ أثناء الكتابة يفكر بعقلية الكاتب الذي يعجب بكتابته فلا يرى سوءتها، أما بعد ثلاثة أيام فتبرد تلك الحمية ويرى كتابته بعين القارئ الذي (يفلّي) النص (تفلية) فيكتشف الأخطاء المريعة.
ثالثا: مصفاة التفكير
وهذه ثالثة الأثافي*! ومصفاة التفكير لوحدها تحتاج كتابا للكتابة عنها وليس جزءا من مقال أو حتى مقالا. لكني سأجتهد في اختصارها بإذن الله. يقول خبراء البرمجة اللغوية العصبية أنه في دماغ الإنسان يوجد ثلاثة أنواع من المصافي تمر من خلالها كل الأفكار والمعلومات التي نتحصل عليها بحواسنا الستة*. وهذه المصافي هي التشويه، والإزالة، والتعميم. وهي تبدو للوهلة الأولى أنها مصافٍ سلبية، لذلك ينبغي الاعتناء بتنقية تلك المصافي من الرواسب الفكرية التي تعلق بها فتدمر تفكيرنا وتحيل حياتنا إلى جحيم. فمصفاة التشويه تعمل على تغيير الحقائق إلى أخرى نؤمن بها أو نراها من وجهة نظرنا، ومصفاة الإزالة تزيل أي معلومات ليست ضرورية، ومصفاة التعميم تعمم المواقف التي يقوم بها أفراد على مجتمع أو مجموعة ما.
ينبغي أن نحذر من الوقوع في (أوساخ) مصافي التفكير الثلاثة. لو اتسخت تلك المصافي فسوف ينقلب تفكيرنا إلى تفكير سلبي جدا بكل ما تعنيه الكلمة.
الحل؟
نحن البشر خلقنا الله سبحانه وتعالى شعوبا وقبائل مختلفة لكي نتعارف. فالاختلاف طبيعي في هذه الدنيا. نحن نختلف في طريقة رؤيتنا للشيء الواحد، لأن كلٌّ منا يمتلك مصفاة خاصة به. وسوف أورد مثالا بسيطا جدا عن كيفية اختلاف تلك الرؤى.
Guess
ماذا ترى في الصورة؟ لن أجيب، لكنكم سترون في التعليقات عجب العجاب. ولو أن الوقت يتسع لأدرجت الكثير من الأمثلة. فالواجب على الإنسان أن يعرف أن للحقيقة أكثر من وجه... وأن الاختلاف في الرأي أمر طبيعي... وأن اختلاف غيري معي في الرأي لا يعني أنه أحمق أو أنني شرير! هذه اختلافات طبيعية.
يجب أن نتعلم أن يعذر بعضنا بعضا، وأن لا نعمم السيئات ونخصص الحسنات، بل يجب علينا أن فعل عكس ذلك بتعميم الحسنات وتخصيص السيئات.
المعتقدات السابقة تبني لدينا أراءا جاهزة عن الآخرين أو الأشياء. علينا أن نراجع هذه المعتقدات. ليس كل ما تعملناه من بيئتنا صحيح 100%. كم جميل أن نطلب من أصدقائنا أن يُقَوِّموا لنا أفكارنا، وأن يُبدوا رأيهم في شخصيتنا لكي نعمل على تقويم أنفسنا. هناك الكثير الكثير من الأفكار السلبية التي تحول دون وصولنا إلى مرادنا في الحياة. وسوف أشرح لكم مثالا تعلمته من كتاب (أسرار عقلية المليونير) كما يلي:
حينما يولد الطفل ونغرس فيه أن المال سبب كل تعاسة، وأن الأغنياء كلهم تعساء، فسوف يكبر هذا الطفل وهو يكره المال. سوف يبذل كل جهده في محاولات كثيرة لكي يصبح غنيا أو على الأقل ليوفر لقمة عيشه. وعلى النقيض من ذلك، فسوف يبذل عقله الباطن جهدا كبيرا لكي يفشل تلك المحاولات! كيف ولماذا؟ أما عن "كيف" فيتم ذلك بأن يقم العقل الباطن بتوجيه تصرفات المرء نحو القرارات المالية الخاطئة؟ أما عن "لماذا" فإن العقل الباطن يفعل ذلك كي يَطْمئن ذلك العقل أنه وافق تلك الفكرة السلبية التي تقول أن المال سبب التعاسة، وهو بتوجيهه لصاحبه نحو القرار الخاطئ يساعده كي لا يصبح تعيسا!
أكتفي بهذا القدر من الحديث عن مصفاة الدماغ. ما زال لدينا مصفاتين قبل أن ينقض علينا الأخ شهريار المتحمس دوما لإنهاء أي جلسة أخوية كهذه.
رابعا: مصفاة البصر
كل يوم نرى مئات الصور في الحياة. نرى أشياءا خاطئة وتصرفات سلبية. لو أوجد الإنسان نفسه في بيئة سلبية فإن عينيه سوف تعتاد السلبيات وبهذا تستمرئ السلبيات. أما لو تطور الأمر ووجد المرء نفسه في بيئة منحلة، فإن العين تستمرئ الحرام.
الحل؟
وهذه لا تحتاج مجهودا كبيرا كغيرها من المصافي، لأن الله سبحانه وتعالى زودنا بمصفاة جاهزة تحتاج فقط إلى الهمة. إذا كنا نتحدث عن مشاهد محرمة بشتى أنواعها، فغض البصر يكفل لنا حل تلك المشكلة. من المثير أنه كلما أطلق المرء بصره، كملا زاد تعلقا بما نظر إليه ولا يطفئ النظر رغبته على الإطلاق. فقليل من الهمة وتذكر أن الله يراقبك يدفعك لإطباق جفنيك أو إبعاد بصرك.
لا تنظر إلى عورات الآخرين. لا تتتبع أخبارهم واحدة بواحدة، لا تنظر إلا إلى الصفات الطيبة في الناس. كن كالنحلة لا تقع إلا على الزهر. ولا تكن كالذبابة حشانا الله وإياكم لا تقع إلا على القاذورات. في كل منا الحسن والرديء، فركز بصرك على الصفات الحسنة في الآخرين واترك الرديئة. إنك بذلك تريح عقلك وتنقي أيضا تفكيرك وبذلك تساهم في تنظيف مصفاة التفكير من حيث لا تدري.
ملاحظة: نحن وللأسف أساتذة في رؤية الأخطاء وتكبيرها. فلو سألت فلانا عن عيوب فلان آخر فسوف يعدد لك المئات بكل يسر وسهولة، أما لو سألته عن محاسن فلان، فسوف يقف حائرا ثم يقول لك بعد مجهود من التفكير... إنه إنسان طيب! (فقط)!
الخامسة: مصفاة السمع
إن لنا أذنان كبيرتان تسمعان كل شيء. وهذه قد تكون قضية صعبة إلى حد ما. فمثلا لا يمكنك أن تمشي وأذناك مغلقتان، إلا لو ألصقت بهما شمعا!
لذلك فإن تنقية السمع تتطلب منك تجاهد نفسك فلا تسترق السمع لما لا يعنيك. لا تستمع إلى الأخبار الضارة التي لا تفيدك. ما الذي يجلبه عليك الاستماع إلى برامج تافهة تسألك (على سبيل المثال) عن فاكهة أول أربع أحرف من اسمها بطيخ ولونها أخضر! وتجد الكثير من المستمعين أو المشاهدين يتصلون في تلك البنت المبتذلة لحل تلك الفزورة المعضلة!. ستلاحظ أنه قد مرت ساعتين وأنت تستمع للحلول الإبداعية لتلك المعضلة!
لا تستمع للشائعات والأخبار السيئة. إن ذلك مثله مثل قراءة تلك الإيميلات التافهة. عوّد نفسك أن تستمع لما هو حسن عن الآخرين. وأعرض عن الاسترسال لسماع النميمة أو الغيبة إذا حضرت مجلسا. فنحن وللأسف نحتاج فقط إلى سماع كلمة واحدة لكي نصدق خبرا كاذبا حول سمعة فلان أو فلانة ونحتاج إلى أطنان الكلمات والأيمان المغلظة لكي ننسى ذلك الخبر ... بعد عدة سنوات ربما!
وأخيرا، أرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم. لمن يريد معرفة ما تعنيه مصطلح ثالثة الأثافي والحواس الستة فإن...!
شهريار جاء..لا وقت الآن للشرح...
وحتى نلتقي،،،